رأس انسان وجسد حيوان
أبو الهول.. ليس مجرد تمثال نحته الفنان المصري القديم العبقري، وإنما هو رمز مصر الخالد، وشاهد على عظمة تاريخها وحضارتها. ليست هذه مجرد كلمات وشعارات، وإنما حقيقة مؤكدة بالدليل الأثري الذي لا يحتمل التأويل. وتفسير ذلك كالآتي:
عندما شرع الملك خفرع - ابن الملك خوفو صاحب الهرم الأكبر على سفح هضبة الجيزة - في بناء هرمه بجوار هرم أبيه، أمر النحاتين الملكيين بنحت أبو الهول وأمامه معبد ضخم للشمس، وهو أول معبد للشمس يبنى غرب نهر النيل. أما عن السبب الذي جعل الملك خفرع يقدم على هذا المشروع العملاق والفريد فهو ببساطة لكي يجسد نفسه في صورة أبو الهول كرمز للملكية وهو يقدم القرابين لأبيه الملك المتوفى الذي ساوى نفسه برع فأصبح خوفو هو رع، أي الشمس، وبالتالي فخفرع باعتباره ابن رع يقدم القرابين لأبيه في معبد الشمس مرتين عند الشروق وعند الغروب.
هذا عن الوظيفة؛ أما عن الاسم ومعناه فقد أشار المصريون القدماء إلى أبو الهول في الدولة القديمة - أي منذ نحو 4500 سنة - باسم «روتي»، وهو رمز مقدس عندهم في صورة أسد ووظيفته هي الحماية والحراسة.
وفي عصر الدولة الحديثة، أطلق المصريون على أبو الهول اسم «حور إم أخت» بمعنى حورس (الصقر) في الأفق؛ وفعلا استطاع المصري القديم أن يظهر التمثال الذي يمثل الرب حورس بين هرمي خوفو وخفرع، أو بين الأفقين، وتطور هذا الاسم بعد ذلك في العصور المتأخرة إلى «حور ما خيس»، وأعتقد أن أبو الهول هو رمز الشمس أو رع الذي يشرق ويغرب بين الهرمين.
أما في عهد الدولة الوسطى فكانت كلمة «شسب عنخ» تعني الصورة الحية، وتطلق على تماثيل أبو الهول، وربما تكون التسمية «سفنكس» هي تحريف للاسم «شسب عنخ». وقد وصف التمثال على لوحة «الحلم» التي تقع بين مخلبي أبو الهول بأنه «شسب عنخ» أي الصورة أو التمثال الحي.
وظهر أيضا لأبو الهول اسم «حورونا» نسبة إلى الإله الكنعاني «حورونا»، وهو إله الحماية الذي دخل مصر مع الأجانب الذين استوطنوا بجوار أبو الهول.
أما بالنسبة إلى اسم التمثال بالعربية (أبو الهول) فهو تحريف من التسمية الفرعونية «بر حول أو بو حول»، بمعنى مكان أو بيت أو ملاذ حورس الصقر رمز الملكية في مصر القديمة. وقد تم تحوير الكلمة مع دخول العرب إلى مصر بإضافة «الألف» قبل «بو» وتحويل حرف «الحاء» إلى «هاء»، ولذلك سُمي أبو الهول، وليست لهذا الاسم صلة بأبو الرعب، أو أبو الفزع كما يعتقد.
لقد صمد أبو الهول أمام الزمن؛ وشاهد تاريخ مصر كله بأفراحه وأحزانه؛ حرص ملوك الفراعنة على زيارته وحماية جسده من غزو الرمال والرياح، وبجّله فلاسفة اليونان والرومان، وكان مقصد الرحالة في كل العصور؛ وكان ولا يزال ملهما للشعراء والكتاب.
وأبو الهول الآن يوجه دعوة لأخي العزيز سمير عطا الله أن يزور مصر، وسوف أصطحبه لزيارة أبو الهول ليعرف أسراره ويشاهد السراديب الخفية به ويقف أمام رمز حضارة إنسانية راقية لا تزال تؤثر فينا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق