في عام 2012، عندما رفضت صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة نصائح الحكومة وقامت بنشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يظهر فيها عاريا، قامت السلطات الفرنسية بإغلاق سفاراتها ومراكزها الثقافية ومدارسها في أكثر من 20 دولة على خلفية ذلك .. بتلك الكلمات استهلت صحيفة (نيويورك تايمز) تقريرها تحت عنوان (شارلي إيبدو تحمل شعلة الاستفزاز السياسي).
خرج وزير الخارجية الفرنسي لوريان فابيوس آنذاك بتصريح استنكر خلاله سلوكيات الصحيفة وعدم اكتراثها بتحذيرات الحكومة وقيامها بسكب الزيت على النار، على حد تعبيره، لكن شيئا لم يتغير ولم يرتدع مدير تحرير الصحيفة ستيفان شاربونييه، الذي توفي في الهجوم الذي وقع، أمس الأربعاء، على مكتب الصحيفة في العاصمة باريس.
مع مرور الوقت، ظهرت الصحيفة الساخرة فخورة بما تقدمه من إساءات للجميع، واتباعها للتقاليد التي تعود لأيام الثورة الفرنسية، عندما كانت تستخدم السخرية للتشهير بالملكة ماري أنطوانيت، ثم استخدمت لاحقا لتحدي الساسة والشرطة والمصرفيين وكل الأديان، لكن الأسبوع الجاري كان استثنائيا في تاريخ الصحيفة، حيث نشرت رسما ساخرا عن تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي قبل قرابة 15 دقيقة من وقوع عملية إطلاق النار داخل مقرها.
ولم تتوقف الصحيفة عند ذلك، فنشرت على صفحاتها رسوما كاريكاتيرية لأكبر الساسة والمفكرين الفرنسيين مصورة إياهم كالسكارى المنغمسين في الجنس، وهذا التوجه من السخرية يفضله الأوروبيون والفرنسيون ولا يثير استفزازهم أو غضبهم، غير أنه أثار المشاعر الغاضبة بين المسلمين المتشددين والمسلمين الأقل تشددا، الذين يرون أن التشهير بدينهم "استفزازا" وليس غذاء للفكر.
وفي الأعوام الأخيرة، تعرضت الصحيفة لتفجير وعمليات قرصنة وتهديدات بالقتل، لكن لم تنجح أي منها في النيل من رسامي الكاريكاتير ورؤساء التحرير، فمدير التحرير شاربونييه وضعه تنظيم القاعدة على رأس قائمة المطلوبين لارتكابه جرائم ضد الإسلام، ولم يكترث الفريق العامل بالصحيفة بذلك واستمر في انتهاج الاحتقار والتشهير ضد الإسلام والديانات الأخرى، وهو التوجه الذي منحهم مكانة بين الصحفيين الفرنسيين.
بالعودة إلى عام 2006، نشرت الصحيفة رسوما كاريكاتيرية مثيرة للجدل عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ظهرت أولا في صحيفة دنماركية، ويقول مدير مدرسة الصحافة في معهد الدراسات السياسية بباريس برونو باتينو: "إن الصحيفة استمرت في وقاحتها ومنذ أزمة الرسوم المسيئة، أصبحت رمزا لاستقلال الصحافة، وأصبح هناك تداخل بين حرية التعبير والدين"
وللصحيفة تاريخ طويل من الإساءة عبر الرسوم الكاريكاتيرية، فقد ظهرت الصحيفة عام 1970 بعد نشر مطبوعة تُسمى "هارا كيري" تم حظرها لأنها تسخر من وفاة الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول، الأمر الذي دفع صحفييها لإنشاء جريدة جديدة أطلق عليها "شارلي إيبدو"
ولم يتوقف الأمر، فقد نشرت الصحيفة عام 2011 عددا خاصا أظهر رسما كارتونيا للرسول محمد على غلافها مع عبارة "ألف جلدة إذا لم تمت ضاحكا"، مع إعادة تسمية المجلة على نحو هزلي باسم "Charia Hebdo" أو "شريعة إيبدو"، في سخرية من الشريعة الإسلامية، وزعمت أن النبي هو "رئيس تحرير" هذا العدد.
ويمكن القول إن الصحيفة ذاع صيتها وازدهرت في أجواء كسر المحرمات، فقد تعهد تشاربونييه سابقا أن يستمر رسامو كاريكاتير الصحيفة في السخرية والرسوم المسيئة حتى يصبح الإسلام مبتذلا مثل الكاثوليكية، وأصبحت الصحيفة تناضل في اتجاهين ضد تهديدات بالقتل وقلة مواردها المالية.
نيويورك تايمز , كلمتي